تابعنا على مواقع التواصل الإجتماعي
بحث
Search

جقجق… مُشكلة بيئية وصحية تفرض نفسها وحلول مُعلقة

جقجق… مُشكلة بيئية وصحية تفرض نفسها وحلول مُعلقة

منظمة بيل-قامشلو

تشتم سوناك كسباك، إحدى سكان حي البشيرية، رائحة الملابس التي غسلتها صباحاً، وهي تنزلها من الحبل، فتبعدها عن أنفها بسرعة، نظراً لأنه تفوح منها رائحة القمامة المُتحللة في نهر جقجق، الذي يطل منزلها عليه.

وتقول سوناك وهي تشير إلى يديها المليئتين بآثار القرص، لبيل، “يأتي الصّيف وتزداد الرّائحة الكريهة، يجب أن نهاجر لنتخلص من هذا الوضع”.

وتضيف “البرغش يكاد يأكلنا، وآثار القرص تدوم لفترات طويلة، هذه هي تملأ أقدامنا وأيدينا، لا يمكننا أن نجلس حتى في واجهة منزلنا، الجراذين والفئران والعقارب والأفاعي، قد تخرج علينا من النهر في أي لحظة، حتى الضّيوف يغلقون أنوفهم، ولا يجلسون في الواجهة، بل يهربون إلى الغرفة منها”.

وتذكر “كسباك” أنهم يسمعون أصوات سيارات ودراجات نارية تتوقف على جسر البشيرية في منتصف الليل، “نسمع صوت ارتطام أكياس القمامة التي يرمونها على أرضية النّهر”.

وتطالب السّيدة التي تجاوزت الخمسين من العمر، البلدية بـ “تنظيف النهر، ومنع رمي القمامة فيه أو إغلاقه”.

وتظهر الصّور والمشاهد التي رصدناها على الأرض، تلوث النّهر البالغ طوله 124 كم من المنبع وحتى لقاءه بالخابور، والذي يتأثر به شريحة سكانية تقارب الـ500 ألف نسمة، فعلى ضفة تتراكم الأكياس وحفاضات الأطفال والأحذية القديمة، وعلى الضّفة الأخرى يُحرق أحدٌ ما قمامته، وسط السّوق.

“مصدرٌ للجرب والأمراض” 

بعد بضعة منازل في الحي نفسه، تطل يلدز شمعون، ربة المنزل، التي لطالما انتقدت بشدة “انتشار الأمراض بسبب تراكم القمامة في جقجق، ومنظر السّوق غير الحضاري، لأن النهر تحول لحاوية ضخمة”.

وتصف يلدز الرّائحة بـ “المُقززة”، فضلاً عن أن معظم أطفال الحي أصيبوا بـ “الجرب” الذي انتشر بشكل كبير في الفترة الأخيرة جراء التلوث.

وتُحمل السيدة مسؤولية تراكم الأوساخ في النهر للـ “السّكان اللذين يرمونها أولاً ومن ثم للبلدية”، وذلك لأن البلدية حاولت تنظيف النهر في وقت سابق، إلا أنّ السّكان عادوا لرمي القمامة فيما بعد، مما جعل الوضع أكثر سوءاً، على حد تعبيرها.

هذا وأظهرت صورة للأقمار الصّناعية لرصد كمية التّلوث في المدينة، لبيل، أن منطقة النّهر هي الأشد تلوثاً والأكثر تأثيراً في مركز المدينة، وذلك خلال دراسة أجرتها المنظمة، بهدف العمل على مُبادرة بيئية في جزء من النّهر، وتحديداً الذي يقع قرب كراجات خط العنترية وقناة السويس وسط السّوق.

وأثناء سير عدسة بيل على ضفة النّهر، ألتقينا بسليمان المطاشير، من قرية الحاجية الكبيرة بريف قامشلو، والذي يقول، “مشكلة النهر لا تتوقف على مدينة قامشلو، جميع القرى على سريره تعاني من القمامة، فبسبب هذا النّهر انتشرت الأمراض في تل معروف”.

ودعا “المطاشير” الجهات المعنية إلى تقديم المساعدة لهم.

وكشاهدِ يؤكد ما قاله البقية، يوضح نبيل درويش، أحد أصحاب المحال القريبة من النّهر، لبيل “حتى عندما كانت تتم عمليات تنظيف نهر جغجغ، كان السّكان غير مُساعدين لتلك العمليات، فبالرغم من وضع الحاويات حول النّهر، إلا أنهم يرمون القمامة فيه باستمرار”.

ويرى أنه من المُخجل وخاصة أمام الغرباء أو عندما يزورنا أشخاص من مناطق أخرى، أن يكون حال النّهر هكذا، “يعطي هذا النّهر صورة نمطية غير حضارية”.

“مشروع ينتظر الموافقة”

وأثناء سؤالنا النّاس عن وضع النّهر، التقينا بنالين علي، إعلامية نورث برس، التي ذكرت أنها عملت على أكثر من تقرير بخصوص هذا النّهر، حتى أنها توجهت إلى البلدية التي أخبرتها أنه تم وضع خطط لتنظيفه، “تلك الخطط لم تنفذ حتى الآن بسبب عدم وجود الميزانية الكافية”.

وأشارت “علي” إلى أنّ هذا النّهر تسبب بإصابة السكان بمرض “الرّبو” والأمراض الصّدرية.

ومن جانبه يوضح زافين كاسباريان، أثناء وضعه للاصق للجرذان على بلكونة منزله، “نخشى من عودة مرض الكوليرا، لأنه سيفتك بنا، إذا استمر وضع النهر هكذا”.

ويأمل “كاسباريان” بإيجاد حل سريع للمشكلة يتضمن وضع “حارسِ أو مراقبة” على النّهر.

وتعمل بيل على لفت الأنظار إلى مشكلة النهر، للتركيز على معالجة الآثار السّلبية لتلوث النّهر، من خلال تعزيز الوعي البيئي لدى المجتمع، وتوسيع المساحات الخضراء في حرم النّهر، وتكثيف حملات النظافة والتعقيم حوله، لتحسين الصورة الجمالية لمركز المدينة، وتنظيم ترحيل النفايات في سبيل إحياء النّهر، والحد من المشاكل والنزاعات التي يسبب الأثر البيئي لتلوث النّهر وجفافه، والتأكيد على ضرورة مشاركة المجتمع المحلي في ذلك من منطلق التشاركية المجتمعية وتقاسم المسؤولية والأدوار بين المجتمع المحلي والمؤسسات المعنية.

ويعلق مُنذر سليمان، مديرية الرّصد البيئي في إقليم الجزيرة، على مشكلة النّهر، بالقول “العديد من المزارعين على ضفة النّهر، يعتمدون ري محاصيلهم منه، فضلاً عن الاعتداءات الأخرى من قبل السّكان، رغم وجود بعض الإجراءات التي تُتخذ بحقهم، وكان هناك مخالفات للمشاريع كمشروع زراعة الخضار على ضفتي النّهر والرّي منه”.

ويشير “سليمان” إلى أن كمية المياه الواردة من الجّانب التّركي، انخفضت إلى ما دون النّصف، مما زاد من تركيز المواد الموجودة ضمن المياه، وأثر على صلاحيتها للري، “هناك صرف صحي يُفرغ في مجرى النّهر سواء من تركيا أو من داخل البلاد”.

ومؤخراً، أقامت تركيا سداً تحويلياً على النّهر في موقع بافرن كوي، مما أدى لأن مياهه أصبحت تجف صيفاً، وهو ما أدى لانخفاض معدل تصريف ماء النهر بين عامي 1994-1995، و2000-2001، إلى 103 مليون م³ / سنة ، و بمُعَدَّلِ غزارةٍ بلغَ 3.26 م³ / ثا.

وفي عام 1983 قامت تركيا بتحويل مجرى النهر ففي البداية أضافت أسماك إلى النهر، وخطوة بعد أخرى قامت بتقليل واردات النهر، أغلب المناطق التي كانت على طول النهر بدءاً من ناحية (بدن) وانتهاء إلى حي (طرطب) كانت معظم هذه الأراضي تعتمد في الري على النهر، وفق دراسة لبيل.

ويقدم منذر الحل، فيوضح “هناك دراسة لمشروع إنشاء محطة تصفية لمياه النّهر، ولكننا نعاني من ضعف مياه النّهر وبالأخص في أوقات الصّيف وارتفاع درجات الحرارة، الدّراسة شاملة لجميع فصول السّنة، أخذنا عينات من مياه النّهر بمواعيد مختلفة في السّنة، ونعمل على أن تكون المياه صالحة للري في المُستقبل، ويمكن أن نطور الأمر لتكون المياه صالحة للشرب”.

ويرجوا “سليمان” أن يتم الموافقة على هذا المشروع، لينفذ ويكون لدينا مصدر للري، إضافة للتخلص من الرّوائح والحشرات الضّارة.

وما يزال هناك في وسط المدينة مشكلة عالقة لا تُحل، فالبعض يجد أن حلها سياسي وذلك بفتح تركيا للمياه الأمر الذي سيدفع الأوساخ، وبالتالي لن ينظر الناس إلى النهر على أنه مصرف للنفايات، وآخرون يرون أنّ اهتمام الجهات المعنية به سيكون له أثر بالغ في تغير الواقع.

Related Posts