تابعنا على مواقع التواصل الإجتماعي
بحث
Search

يغُدرك القدر وينقذك كتاب

يغُدرك القدر … وينقذك كتاب

يحرك سامي فتاح (35 عاماً)، من سكان مدينة قامشلو، شمال وشرق سوريا، كرسيه عائداً إلى منزله بعد أنّ أنهى إحدى جلساته في مجال اللغويات، بمنظمة بيل، تعتريه علامات التّفاؤل، مُردداً جملة ألفها بنفسه وهي “إذا لم أكن أملك قدمين أبلغ بهما غايتي في الثّرى، فأنا أقف على جبل من طموح سأبلغ به الثّريا”.

كان سامي شاباً في مقتبل العمر، يتقد خياله بالأحلام والطموحات، من هواة السّباحة والماء، ويستعد ليدخل فرع علم النّفس، لشغفه به، ولأنه يريد أن يكون طبيباً نفسياً.

لم يدرك الشّاب الذي كان في ربيعه ال 19 آنذاك، أنّ شغفه سيتحول إلى النقطة التي ستغير حياته 360 درجة، على حد تعبيره.

ويقول لبيل: “بين ليلة وضحاها وجدت نفسي عاجزاً، الصّدمة كانت مؤلمة، إنها المرارة التي لا يمكن لأحد أن يتجرعها إلا أنا، لك أن تتخيل حجم المصيبة”.

أصيب سامي إثر سقوطه في مسبح، بشلل في أصابع اليد والطرفين السفليين، نتيجة ارتطام رأسه بقاع حوض السباحة وكسر الفقرة الرقبية السابعة. ويعبر عن ذلك بجملة “كانت تسع أشهر من المعاناة، إنها الشّهور الأولى التي قضيتها في المنزل بعد الحادثة، تبخر الحلم، الأمل، الشّغف، المستقبل كان يظهر كسراب تبخر أمامي”.

ويذكر موقفاً فاقم شعوره في تلك الفترة بما وصفه بـ “العجز”، إذ يقول “كأس الماء على بعد متر عني وأمامي، لكني لم أكن قادراً على الحصول عليها”.

ويشرح سامي أنّ أحد أقاربه نصحه بقراءة كتاب “جدد حياتك” للإمام محمد الغزالي. يقول: “كنت أملأ ساعات الفراغ الطّويلة بالقراءة”.

وهناك على ذلك الفراش، كان الشّاب مُستلقياً يقرأ بتمعن كلمات الشاعر محمد مصطفى حمام في قصيدته “علمتني الحياة”، ومقولة وليم جيمس “لو قسنا أنفسنا بما يجب أن نكون عليه، لاتَّضح لنا أننا أنصاف أحياء”، تلك الكلمات وهذا الكتاب أثر فيه، حتى انسابت الدّموع من عينيه، لأنه شعر أن هذه العبارات هي رسائل من الله، تحثه على أن يكون إنساناً كاملاً، بعيداً عن معاناته الجسدية، وكانت تلك نقطة مفصلية.

ويقول سامي أنه بعد ذلك بدأ بالبحث عن هدفه في الحياة وشراء الكتب لهذا الغرض، ونصحه أحد أصدقائه بإكمال دراسته، وبالفعل حصل على الشّهادة الثانوية وكان من الأوائل، ودخل فرع علم النّفس في كلية التربية في جامعة دمشق، “كنت أطمح لأتخصص وأحصل على الماجستير والدكتوراه، وبالفعل تجاوزت السّنة تلو الأخرى، لكن عندما ترفعت لسنتي الثالثة، بدأت الأحداث، وكان إتمام الدراسة صعباً، فعدت إلى مسقط رأسي قامشلو”.

أنّ تكون تائهاً في صحراءِ واسعة، مُتعباً، عطِشاً، وفجأة تجد واحة تظن أنها نجاتك، ولكنك كلما اقتربت منها تبتعد، وعندما تصلها تتبخر كسراب، ذلك كان حال سامي على مدار سنة كاملة، حتى غلبته إرادة الاستمرار، فدخل مركز هانزا للغات، لينهي خمس مستويات من اللغة الإنكليزية لمدة سنة ونصف، ودورة ICDL والتّصميم عن طريق البوربوينت، ثم التحق بجامعة روج آفا لمدة سنتين في قسم اللغة والأدب الكردي، وبعد ذلك سجل في قسم الترجمة الكردية_ الإنكليزية لسنتين أخرتين، ليتخرج من الفرعين بجدارة.

لا يبدوا أن ظمأ سامي للعلم روي بعد ذلك، إذ يقول “سجلت في جامعة University of The People، المرخصة من وزارة التعليم الأمريكية، فرع إدارة الأعمال، وما زلت أدرس فيها، رغم ذلك ما أزال شغوفاً بعلم النفس، لذا ما زلت أقرأ وأحاول الاطلاع، وأحلم بالحصول على منحة لدراسته خارج البلاد، ولا سيما علم النفس التّعليمي”.

ويقول سامي “أنا لا أفكر على مستوى الإعاقة، ولدي مشروع نهضوي في مجال التّعليم والتّربية في وطني، وهذا الحلم يحتاج لجهود سنوات لتحقيقه، لأنني أسير على مبدأ “بدلاً من أن تلعن الظّلام… أشعل شمعة تنير الدّرب لنفسك ولمن حولك”.

وحالياً، يعمل الثّلاثيني في ترجمة الكُتب، ويترجم مواد منظمة بيل إلى اللغة الكردية، وفي بعض الأحيان يعطي جلسات في مركز المنظمة في مجال اختصاصه.

ويوضح سامي أن الإنسان المتفائل في الأزمات ينظر إليه الآخرون على أنه مجنون ولكن، “أريد أن أكون سطراً في حياة النّاس، وأن يذكروني لو بكلمة طيبة”.

وأخيراً يختم سامي بقوله: “هذه ليست كلمات أو شعارات بل مبادئ أسير عليها في حياتي، ورغم أن كل شيء حولنا يدعوا لليأس، ولكن دائماً هناك فسحة أمل”.

Related Posts