تابعنا على مواقع التواصل الإجتماعي
بحث
Search

ذكرياتٌ مُحترقة

ذكرياتٌ مُحترقة

ارتفعت أصوات تسامرنا، في هواء الليل المُظلم، ولربما كانت هذه النّقاشات العفوية هي ما يكسر حاجز الملل، ويقتل الوقت قبل أنّ يسرقنا، خلال مُناوبتنا في حقل عودة النّفطي، شرقي تربه سبي.

وما هي إلا لحظات حتى تحولت ضحكاتنا، إلى خوفِ يكاد يكون له صوتٌ يُسمع وهو يصرخ، ذلك لو أن للمشاعر صوتاً، بعد أن سمعنا دوي انفجارٍ زعزع الأرض من تحت أقدامنا، واضحت الظّلمة ممزوجة بألسنة اللهب المُرتفعة.

كانت عيوننا تؤلمنا، والرؤية لم تعد واضحة، وحالة الارتباك كحبل مشنقة يشد على أعناقنا، وفي صدورنا خنقة ممزوجة برائحة الدّخان، وأي خنقة، نرى بأم أعيننا مكان عملنا يتحول إلى كتلة من نار كانت على وشك إحراقنا منذ لحظات، لو كان الهدف أقرب قليلاً.

خرج الجّميع من غرفة الاستراحة للابتعاد عن اللهب، وحتى لا نكون الهدف القادم، وكنت من بينهم، ولكن ما هي إلا لحظات، حتى غافلتني الذّاكرة وبدأت خطواتي السّريعة تتباطأ إكلينيكياً، شيءٌ عزيز لم يكن في يدي، شيء فقدانه جعلني ناقصاً وحزيناً وتائهاً، وزاد فوق المُصيبة غصة، إنه هاتفي المحمول.

استدرت محاولاً العودة إلى الغرفة بشكل تلقائي، فإذا بيد تمسكني من بين الدّخان المُتصاعد وبصوت يصرخ: جنيت يا ماهر، لوين رايح، ما بتخاف تموت؟

كان الصّوت لصديقِ لي، فأخبرته أنني بحاجة إلى العودة، فذكرياتي مع والدي على وشك الاحتراق، صوره في هاتفي المحمول، ولا أملك أي نسخ أخرى لها، وأكملت مُتسائلاً: كيف لي أنّ أرى أبي بعد اليوم إن لم أنقذ هاتفي؟

نعم، كنت أخشى ألا تبقى صورته حية في ذاكرتي وأن يأتي يومٌ تتحول فيه إلى ضبابية، أن أحاول تذكر ملامحه فلا تتسلل إلى مخيلتي إلا بصعوبة، فطبيعة الإنسان اللعينة هي نسيان ما لا يجب يُنسى.

هذه هي أهداف الأسلحة التركية في شمال وشرق سوريا.

Related Posts